U3F1ZWV6ZTQ4NTIyNzU1MDcxNzM5X0ZyZWUzMDYxMjM0OTcwMzc1MQ==
اِبحث داخل الموقع !

ذِكرى ... نص يكتبه ذ مراد الفراجي

ذكرى - مراد الفراجي


جلست في مقهى "سانية" في مدينة سيدي بنور، وكأنني أبحث عن شيء لا أستطيع تحديده، شيء يتلاشى مع الزمن. اخترت طاولة في ركن هادئ، احتسيت رشفة من شايي، وغُصت في صمتِ المكان، محاطًا بأصوات متقطعة لأحاديث بعيدة. بينما أنا غارق في أفكاري؛ اخترق سكون اللحظة صوت نباح الكلاب.

كان النباح عميقًا، قاسيًا، كأنه يأتي من أعماق زمن بعيد، ذلك الصوت الذي أثار داخلي براكين من الحنين. عدت بذاكرتي إلى قريتي البعيدة، قرية الصغيرة (المودنين) التي احتضنت طفولتي، حيث كانت أصوات الكلاب جزءًا من حياتنا اليومية، جزءًا من ذلك النسيج البسيط الذي صنع طفولتي. كانت الكلاب تنبح كل ليلة، كأنها تحرس أحلامنا، كأنها تهمس لنا بحكايات لا يفهمها سوى قلب طفل.

أتذكر كيف كان الليل في قريتي مظلمًا، وكيف كنا نخاف من صوت النباح المتكرر، لكننا كنا نشعر معه بأمان غريب. كانت تلك الكلاب بالنسبة لنا رمزًا للحماية، بالرغم من خشونة أصواتها وتهديداتها الصامتة. كانت ترافقنا في وحدتنا، تحرسنا بصمتها الصاخب، وتنشر رائحة الطفولة في كل زاوية من قريتنا الصغيرة.

عدت إلى واقعي في مقهى (سانية)، وبدت المدينة غريبة، وكأنها مكان بلا روح، كل شيء حولي صامت وثقيل. أدركت أنني أشتاق إلى تلك الطفولة البسيطة، إلى تلك اللحظات التي كان فيها نباح الكلاب يحمل في طياته معنىً للانتماء، معنىً للطمأنينة.

هنا، في هذه المدينة؛ الحياة باردة، لا شيء يشبه ذلك الحنين الذي يأسرني.

أغمضت عيني لحظة، تخيلت قريتي كما تركتها، برائحتها وصوتها وأحلامها، شعرت بمرارة في صدري، وكأنني فقدت جزءًا من نفسي، جزءًا من طفولتي. فالنباح فتح أبواب الذاكرة على مصراعيها، وتركني غارقًا في بحر من الحنين، بين ماضٍ بعيد وواقع لا يرحم.

 

مراد الفراجي

تعليقات
تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق