نص نظري: حركة الشعر الحر - نازك الملائكة
تعددت عوامل ظهور اتجاه تكسير البنية وتنوعت، ويمكن حصرها فيما عرفه الوطن العربي في الأربعينيات من القرن العشرين من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. علاوة على ذلك واقع الهزيمة (1948)، وتأثيرها على الإنسان العربي. إضافة إلى ظهور مضامين جديدة لم تستطع القصيدة القديمة بنظامها وشكلها احتواءها، حيث أصبح الشاعر يسعى إلى التعبير عن همومه وقضايا أمته. ثم انفتاح الشاعر الحديث على الآداب والفكر العالميين، واطلاعه على تجارب عالمية وإنسانية. إلى جانب رفض الخطابين الإحيائي والرومانسي والرغبة في تجاوزهما. ومن أهم رواد هذه الحركة نازك الملائكة وبدر شاكر السياب الرائدين الأساسيين لهذا الشعر بامتياز، فإشكالية الزعامة ترتبط بهما، ذلك أن نازك تعتبر أن قصيدتها "الكوليرا" هي أول قصيدة حرة، فيما يعتبر السياب نفسه أول من أصدر ديوانا شعريا يضم قصائد حرة مثل قصيدة "هل كان حبا"، ومهما يكن فهما يمثلان الريادة. ومن الشعراء الآخرين نذكر أمل دنقل وأحمد عبد المعطي حجازي وفدوى طوقان ونزار قباني وأحمد المجاطي وعبد الكريم الطبال وغيرهم. ومن بين النقاد الذين اهتموا بهذه الدراسات الشاعرة نازك الملائكة. فما القضية التي تعالجها في نصها؟ وما طرائق عرضها؟ وإلى أي حد استطاعت تقديم تصور نظري عن هذا الاتجاه؟
يتألف العنوان من ثلاث كلمات وهو جملة اسمية، ومن
الناحية الدلالية يفيد أن حركة هي انتقال الجسم من مكان لآخر دلالة على
الدينامية والتحول، والشعر الحر هو الشعر المتحرر من قيود الوزن والقافية؛ أي
دلالة على تحرر الشعر من قيود الوزن والقافية واتسامها بخاصيتين التحول والدينامية.
تشير الناقدة في
بداية النص إلى قدرة الأوزان الحرة على تمكين الشاعر المعاصر من التعبير عن
"الحياة"، وانطلاقا من ذلك ودراسة العنوان وبعض المصطلحات مثل
"الأوزان الحرة، الشاعر العربي المعاصر، الشعر الحر" نفترض أن النص
دراسة نقدية، وأن الشاعرة العراقية نازك الملائكة ستبرز فيه أهم خصائص اتجاه الشعر
الحر وتجاوزه للشكل الجديد.
تعالج الكاتبة إشكالية الشعر الحر وأسباب خروجه عن
الوزن التقليدي.
القضايا التي يطرحها النص:
ـ تأكيد الكاتبة قدرة الأوزان على التعبير عن قضايا
الحياة الواقعية بدل الأوزان التقليدية التي تقيد التجربة الإبداعية؛
ـ إشارة الكاتبة إلى رفض الشاعر الحديث للأوزان القديمة
وقيودها لأنها تحد تجربته الإبداعية وتعيق تعبيره عن قضايا العصر؛
ـ سعي الشاعر الحديث نحو خلق تجربة ذاتية متفردة بعيدة
عن الاحتذاء بالنموذج الصارم؛
ـ رفض الشاعر الحديث للشكل القديم وفرض شكل هندسي جديد
يتجاوز صرامة البيت التقليدي ويتميز بالتحرر؛
ـ توصل الكاتبة إلى خلاصة اعتبرت فيها الشعر الحر بمثابة
استجابة لمطلب التجدد والتحرر من كل القيود.
النص مقالة أدبية تعالج قضية الشعر الحر وخصائصه. ويمكن
تقسيم النص إلى حقلين دلاليين هما: الحقل الدال على الشعر القديم (الشطرين ـ
القافية ـ الأوزان ـ مقيد بطول محدود وقافية موحدة ـ لأنها تقيد الحركة ـ يتبع له
شكلا مقيدا بنمط مقيد ـ إن الأشطر المتساوية والوحدات المعزولة ـ القافية الموحدة
تنتصب شامخة وتبني جدارا متينا يصعب على المعنى أن يتخطاه...). والحقل الدال على
الشعر الحر(الأوزان الحرة ـ الشاعر المعاصر ـ التفعيلة ـ يكره أن يضيع جهوده في
إقامة هياكل شعرية معقدة ـ الرصانة الشديدة منفرة للدهن العامل ـ إن الشاعر الحديث
يجب أن يثبت فرديته ـ أن يستقل ويبدع بنفسه شيئا يستوحيه من حاجات العصرـ يريد أن
يتحرك ويندفع ـ يريد أن يحطم القيود...)، وتربط بين الحقلين علاقة تضاد، حيث يظهر
الاختلاف والتباين مما جعل الاتجاه الثاني متجاوزا للاتجاه الأول.
وقد وظفت نازك الملائكة المنهج
الاستنباطي في طرح قضيتها، حيث انطلقت من العام إلى الخاص ، لكونها قارنت بين
الشعر التقليدي وخصائصه الفنية القائمة على الثبات في الوزن والروي والقافية؛ وبين
الشعر الحر الذي اهتم بالتعبير والمعنى لأنه مرتبط بمشاكل العصر وقضاياه ولا وقت
له لترف القافية والوزن. ثم اختتمت النص بإبراز دور الأوزان الحرة في التعبير عن
هده القضايا.
كما استعانت الكاتبة بعدة
مفاهيم ترتبط بشكل بارز بمجال الأدب والدراسات النقدية مثل(الشعر الحر ـ الأوزان
الحرة ـ الأجواء الرومانسية ـ الحقيقة الواقعية ـ القيود ـ الأوزان القديمة ـ
القافية الموحدة ـ النموذج ـ القصيدة الشطرية ـ أسلوب الشطرين ـ أسلوب
التفعيلة...). ونلاحظ أن هذه المصطلحات تمزج بين المفاهيم النقدية التقليدية للشعر
القديم (الوزن ، القافية ، الشطر ، القصيدة الشطرية...) ،والمفاهيم الحديثة للشعر
الحر (الحقيقة الواقعية ، أسلوب التفعيلة ، الحرية....) وذلك للمقارنة بين الشعر
التقليدي القائم على الالتزام بالشكل والمضمون القديم؛ والشعر الحر القائم على
الحركة والتغيير والتحديث. ما يبرز استناد نازك على مرجعية ثقافية تميل إلى
العلمية والتاريخية ، تعتمد فيها الوظيفة التأثيرية ،مدعمة رأيها بحجج وبراهين
منطقية مستوحاة من واقع الشعر العربي قديما وحديثا.
أما على مستوى لغة النص فإنها
تتميز بالطابع التقريري الحجاجي، إذ تميزت بالوضوح والبساطة في التعبير، لأن قصد
النص هو الإقناع عبر إيصال الأفكار واضحة ومفهومة إلى ذهن المتلقي، حتى يمكنه
فهمها واستيعابها والاقتناع بها. لذلك وظفت الكاتبة ألفاظا للدلالة على معانيها
الأصلية المألوفة.
ولإقناع المتلقي بوجهة نظرها
اعتمدت الناقدة مجموعة من الأساليب الحجاجية كأسلوب الشرح والتفسير(وجاء الشاعر
المعاصر باتجاهاته...)، وأسلوب التعريف عندما عرفت النموذج(أقصد بالنموذج اتخاذ
شيء ما وحدة ثابتة وتكرارها بدل تغييرها وتنويعها)، وأسلوب المقارنة بإبرازها أوجه
التشابه والاختلاف بين الشعر الحر وبين الشعر القديم، وأسلوب التوكيد باعتماد
روابط تفيد التأكيد والإثبات مثل: (إن الأوزان الحرة... إن الشاعر الحديث..)،
وأسلوب النفي ( لم تكن حركة الشعر الحر...)، وأسلوب الاستدراك (إنما تجري بلا
قيد...)، وتسعى الكاتبة من ذلك إقناع المتلقي.
ملاحظة النص دلاليا وتركيبيا
ردحذفاريد هذا النص
ردحذفموضوع جميل جدا افادني
ردحذف