كُنتُ في العاشِرة مِن عُمري.
وكُنتُ في بِداية القرن العِشرين تِلميذةً في مَدرسة البَنات. ولم يَكُنْ يوْمئِذ
للبناتِ مَدارسَ مِصريّة غيرُ السنيّة وأم عبّاس.
وأنا أمُرّ يوماً في فناء الدَّار إذ دَعَاني
والِدِي فدَخَلْتُ غُرفَة الجُلوس وكان مَعه جَماعة مِن أصدقائه ومَعارفه، فسألني
عمّا نَدْرسُه في الجغرافيا والتاريخ.
خَرجتُ من عندَه وبَقيتُ في الفناءِ وسمعتُ
مُناقشَة بَين المَوجودين مَع أبي يُظهِر أحدُهم إعجابَه بما سَمِع ويعترِض آخر
على ذَهَابي إلى المَدرسة اعتِراضاً شديداً. يعترضُ على تَعليمِ البَنات بِوجهٍ
عام قائلاً: "إنّ مَصِير البِنتِ أن تَتزوّج، فَمَا فَائِدة أَن تَتَعلّم القِراءَة
والكِتابة؟ وهِي فِي غير حَاجَة إلى المَعْرفة، فنَحن لا نُعِدُّها لوظيفَة فِي
الحُكومَة ولا لِعَمَل من الأعْمال يَحتاجُ إلى القِراءة والكِتابة.
أَيُمكِن أن يَدورَ مِثل هذا التفكير اليَوم بْخاطِر
أَحَدٍ وقد أخذتِ البناتُ مَجلِسهِنّ مَقَاعِد الجامعة وغصّت وظائفُ الحُكومَة
بالكثيرات مِنهنّ، وأصبحت ميادين العَمل مفتوحةً أمامهُنّ؟
محمد حسن هيكل – بتصرّف-
إرسال تعليق