القراءة التوجيهية في مؤلف ابن
الرومي في مدن الصفيح
لعبدالكريم برشيد
كتب “عبد الكريم برشيد” مسرحية” ابن الرومي في مدن الصفيح” في خريف 1975 بمدينة الخميسات ، وانتهى من كتابتها في متم نفس السنة بمدينة الدار البيضاء. نشرت لأول مرة على صفحات مجلة *الآداب البيروتية* في عددها الثالث سنة 1978.بعد ذلك في مجلة *الفنون المغربية* في عددها الأول من سنة 1979.لتظهر في حلة جديدة سنة 2006 حيث قامت دار النشر* اديسوفت البيضاء*بطبعها ونشرها.
في ربيع 1979 قدمت مسرحية” ابن
الرومي في مدن الصفيح” في المهرجان الوطني لمسرح الهواة بمراكش ،حيث حازت على
جائزة أحسن نص مسرحي، وقد تزامن هذا التقديم مع تأسيس جماعة المسرح الاحتفالي
وصدورها بيانها الأول. يقول برشيد في هذا الصدد ” لقد كتبت هذه المسرحية قبل ظهور
البيان الأول للمسرح الاحتفالي سنة76. وبالرغم من ذلك فقد جاءت تحمل كل إرهاصات
المسرح الاحتفالي..”
إن النص المسرحي” ابن الرومي في مدن
الصفيح” عبارة عن سلسلة من اللوحات تعكس كل واحدة منها حدثا من الأحداث، كل لوحة
تجسد عملا فنيا متكامل الأجزاء، فهي ورشة بحث في عناصر الصراع التاريخي والطبقي
بين شرائح المجتمع العربي انطلاقا من عصر ابن الرومي وانتهاء بعصر مدن الصفيح.
ثانيا: عتبة المؤلِّف (عبد الكريم برشيد).
ولد عبد الكريم برشيد بمدينة بركان
سنة1943م. أتم دراسته الثانوية والجامعية بمدينة فاس حتى حصوله على الإجازة في
الأدب العربي ببحث يهتم بتأصيل المسرح العربي. وفي عام 1971م، أسس فرقة مسرحية في
مدينة الخميسات لاقت عروضها الاحتفالية صدى طيبا لدى الجمهور المغربي والعربي أيضا.
وقد حصل على دبلوم في الإخراج المسرحي من أكاديمية مونبولي بفرنسا. ودرس بالمعهد
العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط. وفي 2003م، حصل على الدكتوراه في
المسرح من جامعة المولى إسماعيل بمكناس. كما تولى مناصب هامة وسامية مثل مندوب
جهوي وإقليمي سابق لوزارة الشؤون الثقافية، ومستشار سابق لوزارة الشؤون الثقافية،
وأمين عام لنقابة الأدباء والباحثين المغاربة، وعضو مؤسس لنقابة المسرحيين
المغاربة. وقد كتب عبد الكريم برشيد الرواية والشعر والمسرحية والنقد والتنظير.
وساهم في بلورة نظرية مسرحية في الوطن العربي تسمى بالنظرية الاحتفالية.
ومن إصداراته:
- عطيل والخيل والبارود وسالف لونجة، احتفالان
مسرحيان، منشورات الثقافة الجديدة سنة 1976؛
- امرؤ القيس في باريس، منشورات الستوكي ووزارة
الشبيبة والرياضة 1982؛
- حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي، دار
الثقافة بالدار البيضاء سنة 1983؛
- المسرح الاحتفالي، دار الجماهيرية بطرابلس
ليبيا1989-1990؛
- اسمع ياعبد السميع، دار الثقافة بالدار
البيضاء سنة 1985؛
- الاحتفالية: مواقف ومواقف مضادة، مطبعة
تانسيفت بمراكش سنة1993؛
- الاحتفالية في أفق التسعينات، اتحاد كتاب
العرب، دمشق سوريا سنة1993؛
- مرافعات الولد الفصيح، اتحاد كتاب العرب، دمشق
سوريا؛
- الدجال والقيامة، الهيئة العامة للكتاب،
القاهرة بمصر؛
- المؤذنون في مالطة، منشورات الزمن؛
- غابة الإشارات، رواية، مطبعة تريفة ببركان
سنة1999؛
- ابن الرومي في مدن الصفيح، مسرحية احتفالية
يتقاطع فيها ما هو اجتماعي معاصر مع ماهو تراثي وأدبي تاريخي، النجاح الجديدة
بالدار البيضاء سنة 2005؛
ثالثا: دواعي تأليف المسرحية.
غالبا ما تترك دواعي تأليف الأعمال
الأدبية لتقديرات القراء أو لمضامين النص، حيث يمكن أن تستخرج منها إما بشكل مباشر
أو ضمني. والحال أن عبد الكريم برشيد لم يحدثنا مباشرة عن دواعي تأليف المسرحية،
لكن الظروف التاريخية التي نشرت فيها أول مرة (سنة1978) كانت طافحة بالمعاني
والدلالات. ففي أواخر السبعينات من القرن الماضي كانت الحاجة إلى تغيير الواقع
العربي المأزوم سياسيا واجتماعيا تدعو كثيرا من التيارات الفكرية والاديولوجية إلى
المناداة بضرورة إصلاح المجتمعات العربية، لما كان يلاحظ فيها من تفاوت اجتماعي
بين الطبقات، وما كانت تعانيه الفئات الفقيرة على الخصوص من مشاكل وضغوط واستغلال؛
ولذلك فاهتمام مسرحية ابن الرومي بمدن القصدير له دلالة واضحة. على أن أسباب
تأليفها هو معالجة قضية الفقراء والمهمشين في المدن العربية؛ غير أن اختيار الشكل
المسرحي بالذات لمعالجة هذا الموضوع المركزي كانت له دوافع فنية وثقافية عبر عنها
الكاتب في حديثه عن الاحتفالية، وهو ما بيناه سابقا عند التعريف بها. فقد كانت
الغاية هي تجديد المسرح العربي وجعله يتسم بالطابع المحلي. وهذا ما يفسر اللجوء
إلى التراث العربي، وإلى الشخصيات المرموقة فيه، وتوظيفها من أجل أداء دور ايجابي
في الواقع، بالإضافة إلى الاستفادة من العادات ومظاهر الاحتفال في الحياة العربية.
لذا فدواعي التأليف كما نرى هي:
- أولا: اجتماعية وسياسية، غايتها إثارة
الانتباه إلى الوضع المزري للطبقات الفقيرة في المجتمع، والدعوة إلى تغيير
واقعها المأساوي.
- ثانيا: إبداعية وفنية، غايتها تحويل المسرح
إلى نوع أدبي مطبوع بالخصوصيات العربية. وذلك من خلال توظيف التراث بجميع
مظاهره ومكوناته الاحتفالية.
رابعا: عتبة العنوان.
يتضمن عنوان المسرحية مفارقة أخرى
مثيرة للانتباه: ابن الرومي في مدن الصفيح، وهي مفارقة مؤسسة، كما نرى، على شقين:
ابن الرومي: الشاعر المعروف الذي عاش في العصر العباسي بين سنتي(836 -896 م ) ،وهو
أبو الحسن علي بن العباس بن جريج أو جورجيس الرومي. شاعر كبير من طبقة بشار
والمتنبي، رومي الأصل، كان جده من موالي بني العباس. ولد ونشأ ببغداد، وقيل مات
مسموما على يد أحد وزراء الدولة العباسية، وكان تعرض له بالهجاء. قال عنه
المرزباني:<لاأعلم أنه مدح أحدا من رئيس أو مرؤوس إلا وعاد إليه فهجاه، ولذلك
قلت فائدته من قول الشعر وتحاماه الرؤساء وكان سببا لوفاته>. ومن أشهر الخصال
النفسية التي طبعت شخصية الشاعر نزعة التشاؤم والتطير، ولذلك عاش بئيسا قلقا
متوترا سيئ الحظ.
مدن الصفيح: وهي عبارة متداولة، على
الخصوص في المغرب، للدلالة في وقتنا الحالي على أحياء قصديرية تكونت في العصر
الحديث مع بداية الاستعمار الفرنسي بسبب هجرة أهل البوادي إلى المدن من أجل العمل
في المراكز الصناعية، لكنها توسعت كثيرا فيما بعد بعوامل أخرى كالجفاف وفقدان
الأراضي الزراعية وسوء توزيع الثروات بين الطبقات الاجتماعية إلى أن أصبحت مدنا
حقيقية تتراكم فيها المشاكل الاجتماعية والصحية.
يحمل العنوان، إذن، دلالة مفارقة
تقوم بدور الإغراء من أجل معرفة كيف ستكون عليه شخصية تاريخية معروفة استقدمت من
التاريخ القديم لتعيش في مدن الصفيح في عصرنا الحالي.
يتضمن الغلاف أيضا عبارة تحدد نوعية
النص، كتبت تحت عنوان المسرحية مباشرة إلى اليسار: <نص مسرحي > وبذلك تتأسس
العلاقة التعاقدية بين الكاتب والقراء على الوضوح التام. فالعمل ليس رواية ولا نصا
شعريا بل هو مسرحية تعتمد التشخيص والحوار مادتين أساسيتين في بنائها، وفي نفس
الوقت تؤطر تلك العبارة النص في نطاق الأعمال الأدبية التخييلية، وقد قدمنا تعريفا
بفن المسرح في بداية هذا الفصل.
خامسا: عتبة الـغـلاف.
الواجهة الأمامية لغلاف المسرحية
يتآزر التصريح بنوعية العمل، مع
الصورة الفوتوغرافية الملونة التي توجد في القسم الأسفل من الغلاف، وهي بالفعل
تمثل لقطة مسرحية يتفاعل فيها خمسة ممثلين: ثلاثة رجال وامرأتان في وضعية حركية
تشخيصية وتجاوبية تدل على وجود حوار وانفعالات جارية بينهم. وفي الخلفية تبرز
معالم الديكور، وهي تمثل مبان عتيقة تطل من ورائها صومعة مضاءة، لكن هذه المباني
ليست من الصفيح كما ورد في العنوان. واللون الغالب على وجه الغلاف هو اللون
الأسود، فهل لذلك علاقة بتشاؤم ابن الرومي؟ هذه مجرد قراءة افتراضية لصورة الغلاف
لا تلزم بالضرورة القراء جميعهم. وتحت الصورة نقرأ العبارة التالية الني تتكلف
بتحديد نوعية الاتجاه المسرحي الذي ينضوي تحته النص: احتفال مسرحي في سبع عشرة
لوحة، وهذا يقودنا إلى مزيد من التدقيق في هوية المسرحية، فهي من النوع الاحتفالي
الذي دعا إليه الكاتب عبد الكريم برشيد وغيره من رواد المسرح المغربي مند أواسط
السبعينات من القرن الماضي.
الواجهة الخلفية لغلاف المسرحية
يحتوي الغلاف الخلفي على صورة ملونة
للكاتب عبد الكريم برشيد، تقوم بشبه تعريف لمعالم وجه هذه الشخصية لمن لم يسبق لهم
أن تعرفوا عليها أو لتأكيد مطابقة الاسم على الشخصية بالنسبة لمن يعرفونه. أما
الكتابة التعريفية فهي تؤكد المؤهلات العلمية والمناصب الإدارية لا غير. أما
المساهمات الإبداعية والعلمية فيشار إليها أسفل الواجهة الخلفية. وهذا يعني أن
التعريف بالمكانة الاجتماعية والعلمية تبوأ منزلة بارزة على حساب التعريف بالمكانة
الأدبية. وتحت عنوان هذا المؤلَّف، يثبت المؤلف فقرة من ثمانية أسطر موقعة باسمه
تمثل خطايا تقويميا واصفا يقدم في الواقع تحديدا دقيقا لموضوع المسرحية قائم على
ثنائيات تفاعلية متعددة هي ما يكوّن عالم الإنسان. وتأتي هذه الثنائيات على الشكل
التالي:
- الماضي والحاضر
- الشرق والغرب
- الفقراء والأغنياء
- الرجل والمرأة
- الكائن والممكن
- الأضواء والظلال
- الأجساد والأشباح
- الأحلام والأوهام
- المسرح وما وراء المسرح
- الوجوه والأقنعة.
هذه الفقرة التعريفية بالمسرحية
تمثل قراءة ذاتية، لأنها صادرة عن كاتب المسرحية نفسه، وهي نوع من الاستباق غير
المرغوب فيه عادة من قبل القراء والنقاد على السواء، لأنها تحد، ولو افتراضيا، من
حرية التمثل والتفاعل الحر مع النص، على أنها قد تقدم خدمة مجانية لمن ليس لهم صبر
على قراءة كاملة للكتاب ما دامت تضع أمامهم خلاصة مركزة عن طبيعة تركيب المسرحية،
وأنماط الصراع فيها وأهدافها الإنسانية.
--موضوع منقول للاستفادة--
إرسال تعليق