عبير فتحوني – قراءة في ديوان (مثل رحلة لن تتنهي) للشاعر عبدالحق وفاق
مثل رحلة لن تنتهي، ديوان شعري للشاعر المغربي عبدالحق وفاق، صادر عن منشورات تعايش للسلم والتنمية والتبادل الثقافي، في طبعته الأولى سنة 2020م. يأخذنا في رحلة تتعدد محطاتها بين الحرية، الانتصار، الأمل، الحب، التشظي، الارتياب، الفقد ... وغير ذلك من الموضوعات الطافحة في الديوان. هذه الشعريات لم تجعل من الديوان نصا شعريا منغلقا على ذاته أو أحاديا في الرؤية، بل صورت العالم الشعري للشاعر الذي بدا غنيا متفردا في معاني الإبداع والجمال الفني.
يقول الشاعر:
وحيدون على هذه الأرض
صوتنا خافت نشاز
غرباء الملامح والكلمات
لا تستوي مشيتنا
لا يتحملنا التراب ...
يصور الشاعر الإنسان وحيدا غريبا في خضم هذه الحياة المركبة التي يعيشها بين الإسمنت، إذ تزيف المشاعر، وتتهاوى العلاقات الإنسانية والاجتماعية.
أما قصيدة "مثل رحلة لن تنتهي " فهي تصوير متفرد لرغبة الشاعر في الحياة، التي يثير خوض رحلتها التي لا تنتهي، بكل ما تحمله من قبح أو جمال، سيما وأنها رحلة مستمرة لا حد لها، ولا أمل في تمامها.
أحلامي الرثة
مثل رحلة لن تنتهي
مثل أم ثكلى،
ووليد يلح على السؤال
مثل أرض بوار
ترقب الغيث المنون
مثل خيال مدحور في كأس خائبة...
يقول محمود درويش؛ "يحاصرني واقع لا أجيد قراءته ".
الشاعر عبدالحق وفاق، يخوض غمار هذا الواقع الذي يحيط به، بالرغم مما يعتريه من وجع وفقد وانكسارات. يقول:
تَمَام السّاعَةِ العَاشِقَةِ صَباحاً؛
غُرْفَةٌ فَوْضَوِيّةُ الشَّكْلِ،
فَانُوسٌ خَافِتٌ
لَمْ يُغمِضْ جَفنهُ مُنْذُ ليْلَتيْن،
أَحْداقٌ مُثْقَلَة بِالسهَاد
شَاذٌّ جِنْسِيٌّ يُربِكُ الأسْماعَ
على المِذْيَاعِ البَالِي.
يعبر بنا الشاعر إلى الضفة الأخرى، فتأتي قصيدة "الساعة العاشقة صباحاً" بلغة بارعة الوصف، كفيلم لغودار في شقة بارسية الطراز بالأبيض والأسود، نغور فيها مع أعقاب السجائر وأحمر الشفاه والفانوس الخافت، فيشخص الشاعر هذا الفيلم القصير عن فوضوية العشق بقصيدة متفردة اللغة والوصف الشعري المغرق في المباشرية والتقريرية.
وفي لقطة مفاجئة مغايرة للإيقاع السابق، نجد قصيدة "كبرياء الورد" كنوتة هاربة من الانسجام في قالب عاطفي جميل، تحمل أجمل وصف لهذيان المنتظر ووقاحة الاشواق والكبرياء المهين ...
القبر يحتضن جسدا ً واحداً وعدة أرواح، وقد احتضن القبر جسد شاعرنا فصار حبيسا لشوق صاحبه، فتسجل قصيدة "ترحل عن دارنا الوالد" أصدق أنواع الإخلاص في المشاعر، إنها مشاعر الفقد والبر والتعبير عن خيبة الحياة بعيدا عن بريقها في أعين الوالد.
يقول بول لورانس دنبار
الآن " أعرف لماذا يغرد الطائر في قفص وهو يتوجع
عندما تظهر رضوض جناحيه
وفرحة في صدره
عندما يضرب القضبان
ويريد أن يغدو حرا
هذه ليست أنشودة فرح
بل هو الدعاء الذي يرسله الطائر من أعماق قلبه
إنه النداء الذي يتصاعد نحو السماء "
والآن أعرف لما يكتب الشاعر ....
أما الشاعر عبدالحق وفاق فيرثي والده في قصيدة يقول فيها:
صَدَقَتْ نُبُوءَةُ أُمِّي
حَقَّتِ الرُّؤيا،
وأَنْتَ تُلَمْلِمُ وَهَنَكَ –يا أَبِي-
تَعْبُرُ الطّرِيقَ الطَّوِيلَ
تُعِدُّ ثَوبَكَ الغَضَّ
تَجْمَعُ زَهْراتِك الجَمِيلاتِ البَعِيدَات
تَحْمِلُ أَسْفَارَكَ وَجَلالَكَ
غَرِيبا بَيْنَ الوُجُوه المَشْدُوهَة.
وأَنتَ تَعْبُرُ الطرِيقَ الطّويل..
يَغُورُ قَارَبُكَ الخَشبِيّ
يَغْرُبُ فِي ضَبَابٍ أَسِيفٍ
في صَبَاحٍ رَطِيبٍ
بَيْنَ الغُربَاءِ
والتُّخُومِ البَعِيدَة.
إرسال تعليق