ترجمة الشعر الإنجليزي الحديث إلى العربية
الدكتور عبدالحق وفاق – شاعر وناقد أدبي (المغرب)
يحتفظ النَّقد الأدبي بأسماء مجموعة من الشُّعراء كانوا وُسَطاء بين شِعريات عالمية والشعر العربي، كان دورهم مميزاً في تعريف القارئ العربي، من خلال التّرجمة، بأبرز رُموز الشِّعر العَالمي في مُختلف اللّغات الحَيَّة، خاصة الانجليزية منها، وكان لهم دور في صنع الحداثة الشعرية العربية.
وقد أصبح من
المألوف، في الأدبيات النقدية والمرجعية للشعر العربي الحديث والمُعاصر، ذِكْر
شعراء عالميين من أمثال إليوت، وبوند، وويتمان، وبيرس، وإيلوار، وبودلير، ورامبو،
وأبولينير، وألن بو، وبريفير، وبريتون، ولوركا، ونيرودا وماتشادو، ونوفاليس،
وشيلر، وريلكه... وسواهم عشرات بل مئات الشعراء البارزين في الإنجليزية والفرنسية
والإسبانية والروسية... اإلخ.
نادرا ما
يذكر اسم شاعِرٍ عربي حديث، من جيل المؤسسين بخاصة، من دون أن يذكر إلى جانبه، اسم
شاعر من شعراء الفرنسية أو الإنجليزية أو الإسبانية... بحيث أصبح من المألوف،
نقديا ومَعرفيا، على سبيل المثال، أن يذكر سان جون بيرس عند ذكر أدونيس، وإزرا
بوند مقترنا بيوسف الخال، وأنتونان آرتو مقترنا بأنسي الحاج... ويانيس ريتسوس مع
سعدي يوسف، وت.س. إليوت عند ذكر السياب (1) ، وذلك للمثاقفة
الشعرية العربية العالمية التي أسهمت في تفاعل النسق العربي الحديث مع
باقي الأنساق الأخرى المختلفة .
وقبل أن يتم
التركيز على الإبداع الشعري لإليوت، كانت هناك العديد من الترجمات التي اهتمت
بالإنتاج الشعري الغربي بصفة عامة والإنجليزي بصفة خاصة.
نتيجة الاحتكاك المباشر بالغرب عن طريق ظهور الصحافة، ومعرفة بعض المثقفين اللغة
الإنجليزية، وهو ما أتاح للقارئ العربي معرفة الشعر الإنجليزي الحديث، عن طريق ما
كان ينشر على صفحات المجلات والجرائد اليومية والدورية من القصائد المترجمة التي
حَرِص مُترجِمُوها على تزويدها بين الحين والحين بنبذ تاريخية عن مؤلفيها وتاريخهم
أو ظروف القصيدة أو مدى أهميتها في تراثها. ولا شك أن حركة الترجمة العربية للشعر
الإنجليزي الحديث قامت بدور فعال في التنبيه إلى ما في شعر الغرب من معان ومضامين
تختلف عن مضامين الموروث الشعري العربي (2).
لم تقتصر
الترجمة في هذه المرحلة على مختارات الشعر الغنائي، أو المقطوعات القصيرة من
القصائد الطوال، أو الإنتاج الشعري لإليوت، ولكنها شملت المسرح الشعري على نحو ما،
وكانت مسرحيات شكسبير الشعرية –روميو وجوليت مثلا وهاملت- هي الأكثر قبولا لدى
القارئ العربي لما تتضمنه من نفس شعري وقيم إنسانية شمولية.
وإذا كان
الاهتمام بإليوت في الحداثة الشعرية العربية قد بدأ منذ الأربعينيات، من خلال
مقالات متفرقة في العديد من المنابر العربية والمجلات الأدبية، ففي مستهلّ
الخمسينات، صدر كتاب عن "مجلة شعر" ضمّ العديد من الترجمات التي سبق أن
نشرت في مجلات مختلفة كـ"الأديب" و"الآداب" و"مجلة
شعر"، شارك فيه كلّ من: بلند الحيدري ود.ستورت بترجمة "أغنية العاشق
بروفروك"، ومنير بشور بترجمة "أربعاء الرماد"، ويوسف الخال بترجمة
"الرجال الجوف"، وأدونيس ويوسف الخال بترجمة "الأرض الخراب"،
إضافة إلى ابراهيم شكر الله الذي ترجم "جريمة قتل في
الكاتدرائية". وأعقب فترة الخمسينيات بسنوات قليلة صدور كتاب
"إليوت" للدكتور فائق متى عن دار المعارف بمصر في 1965 بعد ان توقفت
مجلة "شعر" عن الصدور، وتوالت الترجمات بعد ذلك مع مترجمين من مختلف الأقطار
العربية، منهم توفيق صائغ، عبدالقادر الجموسي، يوسف اليوسف، مصطفى
عبود، عبدالله الطيب، عبدالواحد لؤلؤة وآخرون...(3)
في
سياق هذا الاهتمام بمُنجز إليوت في الشعر، وما شهده من حركة
ودينامية، كان النقاد العرب يقومون بدور طلائعي في مد جسور المثاقفة
بين الشعريتين، بحيث عمل كل من جبرا إبراهيم جبرا، ولويس عوض وغيرهما بترجمة
العديد من النصوص الشعرية والنقدية من الإنجليزية إلى العربية، ليغدو هاجس التجديد
والحداثة يشغل مختلف التيارات التجديدية مشرقا ومغربا.
وإذا كان
الخطاب الشعري الحديث في ظل حركة الترجمة من الإنجليزية إلى العربية، وفي ظل
مثاقفته وتفاعله مع تجربة إليوت الشعرية، قد خاض في أُفُقٍ تعبيري مُوازٍ، وفي
علاقات تناصيَّة أسقطت كثيرين في إعادة كتابة ما كتبه إليوت، في المقابل تميز
آخرون، لعل السياب أبرزهم، بحيث "كبح كثيرا من مؤثرات الشعر الغربي، ووقف
دونها حتى لا تظهر في شعره، وكذلك نازك الملائكة...فإن عبد الصبور كان أكثر تساهلا
منهما تجاه هذه المؤثرات. في قصيدته "الملك لك" يبدو تأثير إليوت واضحا
حتى في عنوان القصيدة (4). فقول إليوت "لأن الملك
لك for thine is the kingdom" يجعله عبد الصبور عنوانا
لقصيدته.
يقول:
وأحلم في
غفوتي بالبشر
وعسف القدر
وبالموت حين
يدك الحياة
وبالسندباد،
وبالعاصفة
وبالغول في
قصره المارد
وأصرخ رعبا
وتهتف أمي باسم النبي .
عبدالصبور
هنا استخدم العديد من الرؤى التي وظفها إليوت في شعره، على نحو يكشف أنه لم يستطع
أن يتمثل إليوت في عمقه، وهو ما وصفه محمد شاهين في كتابه "إليوت وأثره في
الشعر العربي" باستخدام الظاهر من الأسطورة. بخلاف السياب الذي سيستوعب
التجربة الإليوتية ويتفاعل معها بشكل غير مباشر عبر وسائل الإبداع الأدبي المتمثلة
في التوظيف اللغوي والأسطوري والعمق للدلالي لاختيار الألفاظ والتراكيب والصور
والإيقاع.
هوامش:
(1) ترجمة-الشعر-في-شعرنا-الحديث-ريلكه-مثالا. http://www.laghoo.com/2011/05
(2) حلمي
بدير، الشعر المترجم وحركة التجديد في الشعر الحديث، دار المعارف، الطبعة الثانية،
1991، ص: 8.
(3) عبدالكريم كاصد، ترجمة إليوت إلى اللغة
العربية، كتابات، مجلة فكرية وإبداعية، العدد 14، 2009 ، ص: 40.
(4) خلدون الشمعة، المثاقفة الإليوتية في الشعر
العربي، نفسه، ص: 16.


إرسال تعليق