إن المفهوم اللغوي لكلمة ( نص) في لسان العرب[i] في مادة: نصص: النَّصُّ: رفْعُك الشيء. نَصَّ الـحديث يَنُصُّه نصّاً: رَفَعَه. وكل ما أُظْهِرَ، فقد نُصَّ. أما في اللغات الأجنبية فالنص(TEXT) مأخوذ من الفعل TEXTEREفي اللاتينية، والذي يعني الحياكة ، والنسيج (( Tissu ، في حين أن تعريفه في قاموس (LAROUSSE) الفرنسي (النص) هو مجمل المصطلحات الخاصة التي نقرأها عن كاتب، وتعريفه في قاموس (ROBERT) الفرنسي (النص) مجموعة من الكلمات والجمل التي تشكل مكتوبا أو منطوقا.
والنص بتعريف قاموس الألسنية لاروس (LAROUSSE)
هو المجموعة الواحدة من الملفوظات (ENONCES) أي الجمل المنفذة، حين تكون خاضعة للتحليل،
تسمى (نصا ) فالنص عينة من السلوك الألسني، وإن هذه العينة يمكن أن تكون مكتوبة أو
منطوقة.[ii]
أما اصطلاحا ، فقد عرفه طه عبد الرحمان كما
يلي: "كل بناء يتركب من عدد من الجمل السليمة مرتبطا فيما بينها بعدد من العلاقات"[iii].
أما عبدالفتاح
كيليطو، فقد قدم تصورا للنص في سياق دراسته لغرابة النص الأدبي وعلاقته بالجنس الذي
يندرج ضمنه، إذ اعتبر النص "تنظيما لغويا فريدا"[iv]
يتميز عن اللانص بكونه ذا مدلول ثقافي"[v]،
حيث الكلام، من منظور كيليطو، "لا يصير نصا إلا داخل ثقافة معينة، بما يفيد
أن الكلام الذي توافرت له خصائص "النصية" من منظور ثقافة معينة، قد لا
يعتبر كذلك في ثقافة أخرى تنظر إليه بوصفه "لا نصّاً". وبالتالي فتميز
النص بكونه تنظيما له مدلول ثقافي وأدبي، هو ما يمكنه من أن يدخل في علاقة مع
الخطاب الأدبي ليحقق مع هذه العلاقة نمطا داخل ذلك الخطاب، حيث أن النص الذي يطغى
عليه المنحى التعليمي مثلا تهيمن فيه صيغة الأمر والنهي، وهو ما ينقل هذه النصوص
إلى أجناس تمثل "الموعظة"، والحكمة والخطبة[vi]...
إن هذه الصيغ المتميزة هي التي وسمت الحكم والأمثال بسمات خاصة فرقتها عما ليس
نصا، ومن ثم سميت نصوصا[vii].
وتصنف النصوص
في علاقتها بالسمات الجوهرية والعناصر المحددة لجنسها إلى:
-
نصوص نظرية،
تكشف عن هذه الخصائص والسمات فتكون بذلك مرجعا للمبدعين تضيء طريقهم.
-
نصوص
تطبيقية، تحاول تطبيق وأجرأة ما نظرت له النصوص النظرية.
من هنا ، فأي
حديث عن الإبداع الأدبي كيفما كان نوعه (شعر، قصة، مسرح، رواية...) إلا ويواكبه
تنظير يسلط عليه الضوء، ويعرف بخصائصه ومميزاته. وهذا يعني أن التنظير والإبداع
يسيران في خطين متوازيين. ومن هنا تستمد النصوص النظرية قيمتها كونها تحاول
التعريف بظاهرة أدبية أو اتجاه أدبي أو قضية نقدية... وتفسح المجال أمام المتعلم
للتزود برصيد معرفي يستعين به كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
النص
النظري بلا شك هو منظّر أساسي للإبداع، وهو كذلك الإضاءة الكاشفة القادرة على
إظهار المحمولات الفكرية والجمالية للمنجز الإبداعي. وهو لازمة مهمة وخلفية أساسية
يستند إليها المبدعون. والحديث عن النص النظري باعتباره خطابا يعرف النصوص
الإبداعية ويكشف خصائصها ومقوماتها، لا ينفي كونه نصا إبداعيا ذا أهمية لا تقل عن
أهمية النصوص التطبيقية.
وفيما يخص
العلاقة بين النص النظري والنص الإبداعي فيمكن اختزالها في أربعة مستويات:
تكون العلاقة
فيه تبعية ارتباطية، أي علاقة التابع بالمتبوع، فالنص النظري لاحق للأدب، إذ الإبداع
خطاب أول، والنص النظري إبداع ثان، والأول يسهم في خلق الخطاب الثاني.
علاقة
التساوي بالنص النظري، وهو نص إبداعي في الآن نفسه، لأن اللغة قوام كل منهما، وكل
من الخطابين يتأصل بمجموعة من البيانات اللغوية. فالناقد أو المنظر وهو من يصنع
الحلول، ويصف الخصائص التي يتميز بها الأدب، ملزم بالتفكير كمبدع أول.
العلاقة
المنطقية في المواضيع، فإذا كان العمل الإبداعي يمثل حوارا بين الذات والموضوع
(العالم)، فإن النص النظري النقدي يمثل حوارا بين ذاتين، إحداهما ذات المؤلف
والأخرى ذات الناقد. فاللغة الإبداعية وعي بالعالم، والنقد وعي بالإبداع، إذن هو
وعي الوعي.
العلاقة الانعكاسية: وفيها يكون النص النظري
متسيّدا على الإبداع وسابقا على النص، هذا الأخير الذي يتشكل بفعل اشتراطات
تنظيرية نقدية.
[i] ابن منظور، لسان العرب، مادة، نصص.
[ii] J.Dubois,
et all, Dictionnaire de Linguistiques, ed.Larousse, Paris-
1972, P : 486. FRANCE
[iii] طه عبدالرحمان: في أصول الحوار وتجديد علم الكلام ، المركز الثقافي
العربي ، بيروت- الدار البيضاء ، الطبعة الثانية ، 2000م ، ص 35.
[iv] الأدب والغرابة، دراسات بنيوية في الأدب العربي،
دار توبقال ص:13.
[v] نفسه، ص: 14
[vi] الأدب والغرابة، ص: 17.
[vii] نفسه ، ص:14.
إرسال تعليق