تيداس... قبل الجائحة بقليل - عبدالحق وفاق
بَعد مُكالمة هاتفية شغلتني لدقائق مُطولة مع صديق لي بالمدينة المُجاورة،
استرسَل دون رَغبَة مني في سَرد ما يتابِعه على القنوات الإخبارية مِن جهود
أوروبية لاحتواء ما بات يُعرف بِكـوفيد 19. تهيأتُ للخُروج من المنزل لقضاء بعض
الحاجيات في الخارج، انتَعلتُ حِذائي الرياضي، لَمَّعتُ نظاراتي
السوداء، تفقدتُ في المرآة أن الابتسامة مرسومة كعادتها بالدقة التي أفضل. في
طريقي إلى الشارع الرئيس، بدتِ الأزقة هادئة تماما من صخب الأطفال الصغار والباعة
المتجولين، المنازلُ مُطرقة الأبواب، المقاهي مُغلقة هي الأخرى ... تُرى بماذا
شَغَلَ الناسُ أنفسَهم؟ أين راحت الرؤوس المثبتة على الكراسي بِمقهى
المِشواة ؟ في أي زاوية يَجلِسُ الصغير الذي يبيع عُلب كلينيكس والسجائر
بالتقسيط؟
كان شيء غير مألوف يحدث بتيداس، القرية التي ألفتها صاخبة في مثل هذا الوقت،
حركة طفِيفة بين مَحلات الخُضر والجِزارة والبقالة، كماماتٌ تَحجُب وجوهَ الباعة
على غير العادة، نِسوةُ على جنبات الطريق يلوكون حديثا عن فايروس لا تستقيم تسميته
على ألسِنتهم البدوية. لَمحتُ صديقا في الطريق المُقابل، فكرتُ في تحيّتهِ من
بَعيد دون أن أصافِحه كما اعتدتُ، لكنه غَيّر طريقهُ قبلَ أن أهُم بذلك، شكرتُه
هَمْسا وأكملتُ طريقي.
اقتنيتُ بعض الحاجيات من البقال الذي بدا مُعجَبا بكمامة ذات لون أزرق فاتح
تلف شاربه. عرجتُ الطريقُ إلى الصيدلية المجاورة لأسأل عن مُعقِّم كحولي طلبتُه
يوم أمس، اكتفيتُ بطلب ذلك من خارجها التزاما بشريط أُلصِقَ في المدخل، كُتِب عليه
بخط أحمر بارز "قِف-كورونا". بعد تبادل قصير جدا لأطراف الحديث مع
الصيدلانية حول كورونا، تسلمتُ بحذرٍ الكيسَ والدراهم الثلاثة وعُدتُ أدراجي.
على يمينِ الطريق من داخل سيارة، صوتٌ جَهوري؛ أهلا أستاذ وفاق، كيف الحال!
توقفتُ.. أطلتُ النظر.. كان طهَ وصديقُه وسِيم، اعتذرا عن المُجازفة بعناق وبعض
القُبلات... طمأنتُهما سنُعوض ذلك بعد كورونا.. تبادلنا النظرات والابتسامة، سلكتُ
طريقَ العودة إلى المنزل، قطعتُ الأزقة والشوارع التي بدت شبه فارغة تماما، وأنا
أردد في نفسي؛ تيداس... اسمكِ جميل، لا تليق به كورونا! يكفيكِ هذا الارتياب..
عند وصولي إلى المنزل علقتُ مفاتيح الباب، خلعتُ حِذائي، غسلتُ يدي بالماء
والصابون لأكثر من مرة، أفرغت الكيس، وقمتُ برشات خفيفة على راحتَيْ يدي...
ابتسمتُ وقلت في نفسي؛ الآن صِرتُ أنظف...أجبتُ والدتِي عن سؤالها كيف أحوال
تيداس؟ قائلا: تبدو غريبة، لكنها حذرة وجميلة ...
تيداس؛ 18 مارس 2019
إرسال تعليق