تحضير قصيدة غرفة الشاعر لعلي محمود طه
- جماعة الديوان: مثلها عباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازني، وعبد
الرحمان شكري؛
- الرابطة القلمية: تشكلت بالمهجر الأمريكي سنة تزعمها جبران خليل جبران،
وميخائيل نعيمة، وإيليا أبو ماضي؛
- مدرسة أبولو: أسسها أحمد زكي أبو شادي وسميت باسم مجلة "أبولو"،
وانتهى إليها إبراهيم ناجي، ومطران خليل مطران، وأبو القاسم الشابي، وعلي محمود
طه. ويعد هذا الأخير متميزا داخل شعر التيار الذاتي، حيث ساهم في تكوينه العديد من
العوامل أهمها ثقافته العربية التي عززها بالثقافة الإنجليزية.
جاء العنوان "غرفة الشاعر" من الناحية الدلالية إشارة إلى مكان
مخصوص أو فضاء مغلق، والشاعر تعني الإنسان المبدع وهو الذي يشعر بما لا يستطيع
غيره الشعور به. وبالتالي يحيل على دلالات نفسية الشاعر إما الإحساس بالعزلة أو
الاكتئاب أو الاستغراق في التأمل ومناجاة الذات.
يؤكد مطلع القصيدة على المنحنى الذاتي للنص، ومن خلال ذلك والمؤشرات اللفظية
والأسلوبية (الليل، الكئيب، غارقا، أشجانك...) واعتماد الشاعر المقاطع الرباعية،
نفترض أن القصيدة تمثل اتجاه سؤال الذات، وينقل فيها صاحبها معاناته الداخلية.
فما هي مظاهر اتجاه سؤال الذات في قصيدة
"غرفة الشاعر"؟
وما هي أهم الخصائص الفنية والأسلوبية
والإيقاعية التي اعتمدها الشاعر للتعبير عن ذاته؟
وإلى أي حد تمثل هذه القصيدة الحركة
الرومانسية شكلا ومضمونا؟.
تعكس القصيدة التجربة الذاتية والوجدانية للشاعر، من خلال التعبير عن حالته
الحزينة، وعن نظرته المتشائمة من الحياة. ويمكن تقسيم هذه المضامين إلى الوحدات
التالية:
الوحدة الأولى:(المقطع الأول): توجيه الشاعر
خطابه إلى ذاته، وإبراز حالته النفسية الكئيبة والحزينة والمضطربة الناجمة عن
استغراقه في عملية الإبداع.
الوحدة الثانية: (المقطع الثاني):
استغراق الشاعر في تأملاته وانقطاعه عن محيطه الخارجي، وعيشه في عزلة قاتلة
يتخللها الصمت المطبق في الغرفة.
الوحدة الثالثة: (المقطع الثالث): دعوة
الشاعر نفسه إلى تجاوز ما يعيشه من حزن وكآبة جراء تعذيب نفسه، خصوصا وأنه لا يجد
من يحنو عليه أو يشاركه أحزانه.
الوحدة الرابعة: (المقطع الرابع): حث الشاعر
نفسه على الاستراحة والنوم، وأنه لا يجد جزاء على معاناته.
نجد أن الشاعر اتخذ مسافة بينه وبين ذاته من أجل أن يتأملها ويمعن النظر
في مواصفاتها وسلوكاتها، ومن خلال ذلك تتجلى بعض مظاهر انتماء القصيدة للاتجاه
الرومانسي، حيث تشكل ذات الشاعر محور النص وجوهره. ويظهر ذلك في معجم النص الذي
يتوزع إلى حقلين دلاليين: الأول يرتبط بذات الشاعر:(الكئيب، شجونك، الحزين،
أحزانك، رأسك، الآسي، السهد، الشحوب، الدموع، الخريف...) والثاني يدل على
الغرفة:(الليل، الرعد، الإبراق، اللون، السراج، الصمت، السكون، الدجى، ليل
الخطوب...). وتجمع بين هذين الحقلين علاقة ترابط، فكل ما تشعر به الذات من
كآبة تقابله كآبة المكان. اذن فالغرفة تعبير عن باطن الشاعر، وانعكاس
لنفسيته سواء في صمتها أو برودتها، لكونها ملاذه للانفراد والانطواء على الذات
والحلول فيها.
وقد تجسد تجديد علي محمود طه في قصيدته في الجانب الإيقاعي، فعلى مستوى
الإيقاع الخارجي نظم الشاعر قصيدته على وزن بحر الخفيف، (فاعلاتن مستفعلن
فاعلاتن×2). ورغم التزامه بوزن بحر الخفيف، واعتماده نظام الشطرين، إلا أنه جدد في
الجانب الإيقاعي من خلال تنويع القافية، حيث زاوج بين القافية المطلقة في المقطعين
الثاني والرابع(روي متحرك)، وبين القافية المقيدة (روي ساكن) كما هو الحال في
المقطعين الأول والثالث، إضافة إلى التنويع في حرف الروي (المقطع الأول والثالث هو
الكاف) و(المقطع الثاني هو القاف) و(المقطع الرابع هو الباء).
أما فيما يتعلق بالإيقاع الداخلي للنص، فنميز فيه بين التكرار والتوازي،
فالأول يظهر في تكرار حروف مهموسة أهمها روي القصيدة (الكاف والقاف...)، وفي تكرار
بعض الألفاظ (الليل، الشاعر، الحياة...). وهذا التكرار تلاءم مع الحالة النفسية
للشاعر في مختلف مراحلها، مما ساهم في خلق انسجام موسيقي داخل النص. والتوازي من
خلال توازي الصيغ الصرفية (فعيل:جبين/ أنين، فعول:طروب/ خطوب...)، زالتوازي
التركيبي غير التام مثل: (البيت السابع والثامن...)، والتوازي التركيبي التام
بقوله:(وما زلت غارقا في شجونك... وما زلت سادرا في مكانك). وقد تضافر التكرار
والتوازي في خلق موسيقى داخلية للنص، أضفت عليه جمالية وحلة تزيينية، مما ساهم في
تقريب المتلقي من معاناة الشاعر.
وإذا انتقلنا إلى الناحية الفنية نجد أن الشاعر اعتمد بعض الصور الشعرية، مثل
الاستعارة المكنية في قوله في البيت الأول: (مضى الليل)، وكذلك الأمر في البيت
السادس (تمشى الصمت...دب السكون)، و في البيت الثامن (تبكي الحياة)، وتفيد كل هذه
الاستعارات أنسنة الطبيعة بإضفاء الصفات الإنسانية عليها، لما لها من وظيفة نفسية
بإبراز طول معاناة الشاعر، والتأثير في المتلقي لإقناعه بالصور .
أما الأساليب فيمكن أن نميز فيها بين أسلوبين: إنشائي وخبري، حيث استعمل
الشاعر الأول للإخبار بمعاناته التي يحكيها للمتلقي عندما ترك نفسه تعبر عن ذاتها
(مسلما رأسك، يد تمسك اليراع، أذبلت جفونك...)، وهي كلها أخبار خالية من التوكيد،
والإنشاء يرتبط بانفعالات الشاعر والبوح عن ما يشعر به، ويتمثل في النداء(أيها
الشاعر الكئيب)، والاستفهام(هلا فرغت من أحزانك)، والتعجب(ليست للشاعر الموهوب!).
وكل هذه الأساليب تعد أداة للتعبير عن الذات.
لقد عبر الشاعر في هذا النص عن ذاته الحزينة
والكئيبة، وعما تعانيه من قساوة الوحدة والعزلة حتى أصبح سقيما،مرتعش الأطراف،
يعاني الأرق والسهاد في غرفة باردة، شاحبة الضوء، وبعيدا عن كل ما هو عالم
خارجي(الرعد،البرق..)،وهذا التعبير عن الذات ومعاناتها النفسية والوجدانية رافق كل
أبيات النص، محققا، بذلك ، للقصيدة وحدتها العضوية، ورابطا بين تحولات الذات
الوجدانية وإيقاع النص الداخلي، وطبيعة التصوير الشعري،حيث ارتبطت الصور الشعرية
بذات الشاعر،ولم تبن اعتمادا على الذاكرة،أو باستعادة صور الأقدمين كما فعل
الشعراء الإحيائيون.
إن هذه المعطيات التحليلية كلها تجعل هذا
النص يمثل الشعر الذاتي أحسن تمثيل، ويستجيب لخصائصه المضمونية والفنية من حيث
موضوع القصيدة وصورها ولغتها، ومن حيث تنويعها للقافية والروي، وإن حافظت على
عناصر تقليدية كوحدة الوزن ونظام الشطرين.
هذا المحتوى في غاية الأهمية لي ومتميز جدا
ردحذف