U3F1ZWV6ZTQ4NTIyNzU1MDcxNzM5X0ZyZWUzMDYxMjM0OTcwMzc1MQ==
اِبحث داخل الموقع !

قصيدة ذكرى المولد للشاعر المصري أحمد شوقي

 

ذكرى المولد لأحمد شوقي




شغل موضوع الخروج من الانحطاط اهتمام العديد من الشعراء خاصة أواخر القرن التاسع عشر فحاولوا إعادة الاعتبار للشعر العربي عن طريق تقليد و محاكاة النموذج القديم، والسير على منوال القدامى في نظم الشعر، وانبرى لهذا الغرض كل من محمود سامي البارودي، حافظ ابراهيم، وأحمد شوقي  صاحب هذا النص قيد التحليل، فإذا لاحظنا الشكل الطباعي لقصيدته المنظومة  وفق نظام الشطرين المتناظرين، وما يحيل عليه كل من البيت الأول والأخير من دلالات ترتبط بالتراث الشعري القديم ، والعنوان الذي فيه إشارة إلى تيمة المدح كغرض شعري قديم نفترض أن الشاعر سيسير على نهج القدامى ، وسيخصص قصيدته لمدح المصطفى صلى الله عليه وسلم.

فما مضمون القصيدة العام ؟

ما مقوماتها الجمالية والإيقاعية؟

وإلى أي حد بقي الشاعر و فيا لكل ما هو قديم؟


بعد قراءة النص نجد أن القصيدة مخصصة لمدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث استهلها الشاعر بمقدمة وجدانية كشف فيها عن معاناته مع الجمال الذي افقده صوابه، مما جعل قلبه يتحمل ألما لم تستطع تحمله قلوب أخرى وإن خلقت من حديد.

وبعد هذه المعاناة مع أثار الجمال انتقل الشاعر لإبراز حنكته وتجربته في أمور الحياة، مبينا تمرسه بتقلباتها ، ليخلص إلى أن الاقتناع بحكم الله والالتجاء إليه يبقى السبيل نحو البر والفضل الكبير، وفي الأخير يصل الشاعر إلى غرضه الأساس الذي هو مدح الرسول صلى الله عليه و سلم ، مبينا ما يتحلى به عليه السلام من صفات البر والإحسان، و انه هدى الناس و أخرجهم من الظلمات إلى النور . كما أنه عليه السلام كان ناصرا للحق. وبفضل هذا المدح بلغ الشاعر أعلي المراتب.

معجميا فالقصيدة يهيمن عليها ثلاثة حقول دلالية، أولها يرتبط بالمعاناة و من ألفاظه:( سلا-ثاب- قلوب من حديد- توالى الدمع-عتابا-سألت القلب-حمل العذاب ...  ) أما الثاني فيدل على الدنيا ومن العبارات الدالة عليه:(يغتر بالدنيا- أبليت الثياب- حكم الله- وأن البر-...) والثالث خاص بالمدح ونمثل له بالألفاظ التالية:(نبي البر-ابا الزهراء-سن خلاله-بينه سبيلا)

والواضح أن بين هذه الحقول علاقة ترابط ، إذ كشفت عن الحالة الشعورية والنفسية للشاعر، فقد جعل من المعاناة وخبرته بأمور الدنيا منصة وعتبة للوصول إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يكون أهلا لمدحه. أما اللغة فقد حافظت نسبيا على جزالتها و صلابتها.

وإذا تحدثنا عن الإيقاع نميز بين إيقاع خارجي حافظ  فيه الشاعر على ديباجة القصيدة القديمة معتمدا على نظام الشطرين المتناظرين ، وقد نظم الشاعر قصيدة على بحر الوافر(مفاعلتن مفاعلتن فعولن)، أما القافية فجاءت بدورها موحدة وهي قافية مطلقة تمثلها لفظة ثابا في البيت الأول، وجاء الروي كذلك موحدا وهو صوت( الباء) المجهور.

أما الإيقاع الداخلي فيتعزز بتكرار مجموعة من الألفاظ مثل (القلب-صواب-حكم-حمل-الله...) ويحضر التوازي كذلك في البيت السادس (فلم أرى غير حكم الله حكما)  وهو توازي صرفي تركيبي وهو نفس التوازي الذي نجده في البيت التاسع.

وبالنسبة  للجانب التصويري فقد استوحى الشاعر الصور الفنية  من الأساليب البلاغية القديمة القائمة على علاقتي المشابهة والمجاورة و في مقدمة هذه الأساليب نجد الاستعارة في قوله (تولى الدمع) وفي قوله (حمل العذاب) إضافة إلى المجاز في قوله ( سلوا قلبي) و قوله ( هدى الشعاب).

وقد كانت لهذه الصور وظيفة جمالية تزيينية  وحافظت على طابعها الحسي والمادي والتصويري.

ونخلص في الأخير إلى أن قصيدة ذكرى المولد لأمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة إحيائية حافظت على الكثير من مقومات الاتجاه الإحيائي مضمونا وشكلا، فأما المضمون فالشاعر بقي وفيا للأغراض التقليدية وجاءت قصيدته مدحية ،استعرض فيها بعضا من مكارم ومزايا الرسول صلى الله عليه وسلم ، بعد أن عرض معاناته  وتجربته  في الحياة، أما الشكل فقد استوحى الشاعر معجمه من التراث المعجمي القديم في حين أن الصور الشعرية حافظت على طابعها المادي الحسي، ولم يخرج الإيقاع عن هذا المنحى إذ تميزت القصيدة بوحدة الوزن والقافية والروي.

ونؤكد من خلال هذا التحليل على صحة فرضيتنا السابقة بكون شوقي واحد من رواد الشعر الإحيائي هذا الشعر الذي يرجع له الفضل في إعادة الهيبة والقيمة لعمود الشعر العربي بعد فترات الانحطاط.

 

--منقول لتعميم الفائدة --



تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق