مَواسِم القَرَافَة تُعَدُّ مِن أسعَدِ
أيامي البهيجة. نَشرَعُ في الاستعداد لها مع العشِي بإعداد الفطيرِ والتمرِ. وفي
الصباح الباكر أمضي بينَ أبي وأمي حامِلا الخوص والريحان ...
يسرُّني
تدفق تيارات الخَلق، وطوابير الكَـارّو، وأعرِف باب الحوشِ كصديق قديمٍ، ويجذِبُني
القَبرُ بِتركِيبه الوقور، المُنعَزِل وشاهِديه الشامِخين، وسِره المنطوي، بإجلال
والِدي له، كما تجدبني شجيرة الصبار. وتحت قُبّة السّماء تنطلق مني وثبات فرح،
ودفقات استطلاع لا يُكدرها شيء، ثم تتم المَسرَّات بِمُراقبة المُقرئ الضرير
وجماعات الشحاذين ...
وتتغَيّر الصورة بدخول "هَمَّام" في إطارها.
تجيء أختي وابنها
للإقامة عندنا فترة من الزمن. "هَمَّام" في الرابعة أو يزيد عنها قليلا،
أجِد فيهِ رفيقا ذا حيوية وجاذبية، يُخرِجني بمؤانسته مِن وحدَتي. جميل خفيف
الروح، يلاعِبني بلا ملل، ويُصدِّق أكاذيبي وأوهامي.
وأجِده ذات يوم راقِدا وصامتا، أدعه إلى اللعِب ولكنّه
لا يستجِيب، وأُخبَر بأنّه مَريض ..
ويُطبق على الجو اهتمام وحذر، ويتفشى فيه ضيق وكدَر،
واتلَقى أحاسيس مبهمة وغير سارة، ويزيد من تعاستي قلق أمي، وجزع أختي ثم حضور
زوجها ..
أسألُ عما يحدث فأُبْعَدُ عن المكان ويُقال
لي : لا شأن لك بهذا .. العَب بعيدا .. ولكنّ أشعُر بأن حدثا غير عادي يجري ..
إنّه خطيرٌ حتّى إن أمي تَبكِي. وأختي تصرخ. وألمَحُ مِن
بعيد صديقي مُغطى فوق الفراش مثل وسادة. لم يُترَك له متنفس، وأخيرا يتردد اسم
الموت من قريب، وأفهم أنه فراق يطول، فأبكي مع الباكين، ويتألم قلبي أكثر مما يجوز
لِسنّه.
لا تعود زيارة القبر من أيامي
البهيجة، ويتغير وقع منظره، أود أن أطَّلِع على خفاياه، وأتلقى الكآبة من صَمتِه.
ولا أتغَلَّبُ على لوعَةِ الفراق مع كَرِّ الأيام. إنّه الحُزن والحبُّ الضائع
والخوف والذكرى القاسية وإرهاق أسرار الغيب.
نجيب محفوظ، المؤلفات الكاملة، المجلد الرابع، مكتبة
لبنان ناشرون، الطبعة الأولى 1993، بيروت، ص552 وما بعدها (بتصرف).
نجيب محفوظ:
ولد نجيب محفوظ سنة 1911 بالجمالية، بأحد
أحياء القاهرة، ظهرت أول محاولاته في الكتابة
يوم 3 أكتوبر 1934 تلتها مجموعته القصصية « همس الجنون »
سنة 1939 ، وقد ساهمت العديد من المؤثرات في تكوين شخصيته، الثورة،
الأزمة الإقتصادية 1929،الاستبداد والإقطاع، التأثر بالإتجاهات الروائية
الغربية التاريخية والواقعية والنفسية والعبثية والطبيعية كشكسبير، تشيخوف،
كافكا، جويس، تولستوي، دوستويفسكي، طاغور... إضافة إلى ذلك لعبت الأصول
الشعبية لمحفوظ دورا مهما في أعماله وأدواته وشخصيته. يعد نجيب محفوظ
من أكبر الروائيين العرب في القرن 20، لذلك توجت سيرته الإبداعية والأدبية بالحصول
على جائزة نوبل في الأدب عام 1988، وذلك عن أعماله (أولاد حارتنا ) و ( الثلاثية )
و ( ثرثرة فوق النيل ) .توفي نجيب محفوظ يوم الأربعاء 21 غشت 2006 عن عمر يناهز 94
عاما. مخلفا وراءه عددا كبيرا من الروايات والقصص التي أغنت السرد العربي. من
أعماله الروائية نذكر: عبث الأقدار 1939 – رادوبيس 1943 – القاهرة الجديدة 1949 –
خان الخليلي 1946 – زقاق المدق 1947 – السراب 1948 – بداية ونهاية 1954 ...الخ.
ومن أعماله القصصية: - همس الجنون 1938 – دنيا الله 1962 – بيت سيئ السمعة 1965 –
خمارة القط الأسود 1969 – تحت المظلة...، ومن أعماله المترجمة: - مصر القديمة
1932، ترجم عدد كبير من أعماله إلى لغات أجنبية مما جعله ينال شهرة عالمية إلى
جانب شهرته العربية.
شكرا جزيلا على الموضوع المميز
ردحذففقط كاضافة هذه بعض كتب نجيب محفوظ لمن يرغب في تحميلها
صدى النسيان
همس الجنون
كفاح طيبة
عصر الحب
حديث الصباح و المساء
و في هذا الرابط كتبه مجموعة للتحميل
تحميل جميع كتب روايات و قصص نجيب محفوظ بصيغة pdf