U3F1ZWV6ZTQ4NTIyNzU1MDcxNzM5X0ZyZWUzMDYxMjM0OTcwMzc1MQ==
اِبحث داخل الموقع !

بين مفهومي البيداغوجيا والتربية



بين مفهومي البيداغوجيا والتربية

قبل الحديث عن بعض التصورات الخاصة بالبيداغوجيا يجدر بنا أن نتوقف، قليلا، عند مفهوم التربية باعتبارها أشمل وأوسع من البيداغوجيا من جهة أولى، ولاحتوائها على البيداغوجيا من جهة ثانية.
إذا ما رجعنا إلى الاشتقاق( الإتيمولوجيا) نجد أن لفظ التربية يحتوي على مجمل التصورات البيداغوجية المعاصرة.


أولا: يعود لفظ التربية، اشتقاقيا، في اللغة اللاتينية إلى educatio الذي يعني action d’élever. لقد تحدث شيشرون (توفي في سنة 48ق.م) عن تربية الحيوانات élevage des animaux، كما تحدث بلين عن (توفي في سنة 79 ق.م) عن ثقافة تربية النباتات. وبهذا المعنى فإن المربين الأوائل كانوا يربون الحيوانات، فهم بذلك des éleveurs، والنباتات.
ثانيا: جاء في المعجم اللاتيني الفرنسي لروبير إستيان Robert Estienne (1539) المعنى المشار إليه سلفا للتربية مقرونا بالتغذية la nourriture. فالغذاء هو ما يقدمه الشخص الراشد للقاصر أو للصبي، وهو ما يعني أن الصبي لا يمكنه أن يتغذى بمفرده، أي لا يمكنه الاعتماد على نفسه، إنه يتربى بغيره.
سيشتق فعل التربية (ربى، يربي) من الفعل اللاتيني educare الذي يعنى غذى nourrir. كما يعني الفعل اللاتيني educare إخراج الشئ من... إلى...: من حالة إلى أخرى، ومن وضع إلى آخر. ويعني كذلك قاد و وجه: قاد الطفل نحو كذا وكذا، و وجهه وجهة كذا وكذا؛ فنقول قاد جماعة و عربة و وجه فردا، وجعل الطفل يمشي على رجليه.
ثالثا: يستعمل الكاتب اللاتيني فارون Varron معنيين تدلان على التربية؛ أولهما التغذية educare nutrix، والولادة (الانتقال من حالة إلى حالة أو المساعدة على الانتقال من حالة إلى حالة) educit obstetrix. ونخلص إلى أنه بدون تغذية سيموت الطفل لأن الطفل في حاجة إلى المساعدة والرعاية والاهتمام؛ وبذلك ستكون التربية هي الفعل الآتي من الغير، وأن حاجة الطفل إلى الغير حاجة طبيعية. فتبدو التربية بذلك استجابة لحاجيات الطفل الطبيعية.
 رابعا: أخذت التربية، بمرور الزمن، معنى أخلاقيا فصارت تعني تكوين الأمزجة، وتربية الروح؛ بمعنى أن التربية انتقلت من تربية موجهة للجسد إلى تربية للروح أو النفس، وبتعبير آخر انتقلت التربية من الفيزيقي إلى الروحي، من الجسد إلى الروح و العقل والذهن. فهي لن تقتصر على تغذية الجسد بل ستطاله إلى تغذية الروح والعقل والذهن. فصار الحديث عن تغذية العقل (تربية العقل) والروح (تغذية الروح وتربيتها)، وهكذا سيتم الانتقال إلى الأخلاق والمعارف (إلى الروح والعقل).
خامسا: يفيد لفظ التربية في اللغة الفرنسية حسب قاموس لتري Littré (1885) جميع المعاني التي أشرنا إليها سابقا، وانضاف إلى تعريف لتري، في فرنسا، مفهوم جديد هو التكوين: تكوين الكائن الإنساني تمييزا له عن الكائن الحيواني. فتربية الإنسان تمتاز بالسيرورة في التكوين، وتتحدد بتعدد الأبعاد أي: تربية الجسم والروح والذهن والأحاسيس والجانب الجمالي والاجتماعي والعقلي...إلخ.
سنكون، حسب هذا التعريف الجديد، أمام تربيات متعددة كالتربية الجمالية والتربية الفكرية والتربية العاطفية والتربية الأخلاقية...إلخ، ولن تعود التربية مقتصرة على الفعل الميكانيكي موجه للجسد. فالمربي حسب هذه الأدوار الجديدة هو un percepteur عند مونتيني، وقائد gouverneur عند جون جاك روسو، ومعلم instituteur عند كوندورسي.
سيعمل هذا المربي الجديد على إغناء تجربة الطفل وتكوينه وجعله يتملك المعارف بنفسه.
خلاصة:
قلنا آنفا إن البحث في الاشتقاق اللغوي للتربية سيفيدنا في استخلاص بعض التصورات الخاصة، الأولى و الأولية والتلقائية، بالبيداغوجيا، وهو ما يبدو لنا ونحن نستحضر وظائف المربي: المربي يغذي ويكون ويشكل ويقود ويوجه ويغني، كما أن فعل التربية يوجه للطفل من الآخر، من الراشد نحو القاصر أو الطفل.
 سنجد هذه التصورات حاضرة بشكل من الأشكال في التعاريف الخاصة بالبيداغوجيا التي سنتطرق إليها فيما بعد.
كان العبد في العهد الروماني يقود الطفل إلى كذا أو كذا، إلى المدرسة أو الحديقة...إلخ. وفي القاموس الفرنسي يعني المربي من يتكلف بالتربية وتكوين الطفل. هكذا أصبح المربي مستقلا بذاته و وظيفته هي تربية الطفل كالمعلم مثلا.
فالوظيفة التي سيقوم بها هذا المربي الجديد تحيلنا على الطريقة التي سيربي بها، طريقة تربيته وتعليمه للطفل، أي أن المربي هو الذي يعرف كيف يربي ويعلم، وكيف يحفز على التعلم، وكيف ينشط ويتواصل ويكسب ود الطفل (كما قال دوركهايه)، ويكسبه الخبرة والمعرفة والتجربة...إلخ.
فالطريقة التي ينهجها المربي أو المعلم هي فن التعليم (فن التربية)، وحسب بعضهم هي علم وفن التعليم والتربية. هذا ما يؤكده إميل دوركهايم حينما يحدد البيداغوجيا كنظرية لممارسة التربية؛ فهي فن وطريقة: هي meta وhotos أي: هي الطريق والمسار إلا أن هذا الفن، وهذه الطريقة ليست اعتباطية ولا عشوائية، إنها تتحدد حسب إرادة علمية أو لنقل هناك إرادة لإضفاء الصبغة العلمية على البيداغوجيا. وقد حدث ذلك منذ القرن التاسع عشر باستلهام المناهج العلمية التجريبية.


الحسن اللحية
دليل علوم التربية
الخاص بهيئات التدريس الابتدائي والإعدادي والثانوي
للإعداد للامتحانات المهنية


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق